هل رجل بني إسرائيل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها هو المسيح الدجال
وفقاً لما أجمع عليه معظم المفسرين وطبقاً لما جاء في الروايات الإسلامية وروايات أهل الكتاب, فإن هذا الرجل هو بلعام بن باعوراء, أي أنه المسيح الدجال الذي أوضحنا سابقاً أنه بلعام أو السامري, ولا ننسى أن القرآن كان دقيقاً في تشبيه هذا الرجل بالكلب لأن هذه هي الصورة التي صور بها الفراعنة ومعظم أصحاب الحضارات القديمة الإله ست الذي هو قابيل أو المسيح الدجال أو بلعام.
وفيمايلي عرض لتأكيدات المفسرون أن الرجل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها هو بلعام بن باعوراء, ولكن نظراً لعدم علم قدماء المفسرين بحقيقة شخصية بلعام وأنه هو نفسه الدجال وهو قابيل وهو ست الفرعوني... الخ فقد تضاربت أقوالهم حول التعريف بشخصيته وموطن رأسه أو جنسيته والزمن الذي كان يعيش فيه والآيات التي آتاه الله إياها لأنه من الشخصيات الغامضة في التاريخ:
قال ابن كثير والقرطبي والطبري وغيرهم في تفسير هاتين الآيتين :
وقال القرطبي:
قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين
ذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة, واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات, فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء, ويقال ناعم من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام, وكان بحيث إذا نظر رأى العرش, وهو المعني بقوله واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ولم يقل آية, وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه, ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتاباً في أن"ليس للعالم صانع" . قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان؛ فأعطاه وأقطعه فاتبع دينه وترك دين موسى؛ ففيه نزلت هذه الآيات. روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النبوة, وكان مجاب الدعوة,فلما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين, سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه, فقيل له في ذلك؛ فقال: لا أقدر على أكثر مما تسمعون؛ واندلع لسانه على صدره, فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة, قلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة, وسأمكر لكم, فإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنى, فإن وقعوا فيه هلكوا؛ ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنى, فأرسل الله عليهم الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً, وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثعلبي وغيره.
وروي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين , فاستجيب له وبقي في التيه, فقال موسى: يا رب, بأي ذنب بقينا في التيه, فقال: بدعاء بلعام, قال: فكما سمعت دعاءه علي فاسمع دعائي عليه, فدعا موسى أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم, فسلخه الله ما كان عليه , وقال أو حامد في آخر كتاب منهاج العارفين له: وسمعت بعض العارفين يقول إن بعض الأنبياء سأل الله تعالى عن أمر بلعام وطرده بعد تلك الآيات والكرامات, فقال الله تعالى: لم يشكرني يوماً من الأيام على ما أعطيته, ولو شكرني على ذلك مرة لما سلبته, وقال عكرمة: كان بلعام نبيًّا وأوتي كتاباً, وقال مجاهد: إنه أوتي النبوة؛ فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه, قال المارودي: وهذا غير صحيح؛ لأن الله تعالى لا يصطفي لنبوته إلا من علم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معصيته, وقال عبدالله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن الصلت الثقفي, وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت, وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول, فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به, وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :"آمن شعره وكفر قلبه"
وقال ابن كثير:
قال عبد الرزاق, عن سفيان الثوري , عن الأعمش ومنصور, عن ابي الضحى, عن مسروق عن عبدالله بن مسعود, رضي الله عنه, في قوله تعالى: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه... (الآية) , قال: هو رجل من بني إسرائيل, يقال له: بلعم بن أبر, وكذا رواه شعبة وغير واحد من منصور به.
قال قتادة: وقال كعب: كان رجلاً من أهل البلقاء, وكان يعلم , وكان يعلم الاسم الأكبر, وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين.
وقال العوفي, عن ابن عباس: هو رجل من أهل اليمن, يقال له بلعم, آتاه الله آياته فتركها.
وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد, بعثه نبي الله موسى إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام.
وقال سفيان بن عيينة, عن حصين, عن عمران بن الحارث, عن ابن عباس هو بلعم بن باعر, وكذا قال مجاهد وعكرمة.
وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا عن إسرائيل, عن مغيرة, عم مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو بلعام- وقالت ثقيف: هو أمية بن أبي الصلت....
وقال علي ابن أبي طلحة, عن ابن عباس, لما نزل موسى بهم-يعني بالجبارين-ومن معه-يعني بلعام-أتاه بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل حديد, ومعه جنود كثيرة, وإنه إن يظهر علينا يهلكنا, فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه, قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه, ذهبت دنياي وآخرتي, فلم يزالوا به حتى دعا عليهم, فسلخه الله ما كان عليه, فذلك قوله تعالى: فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وقال أبو المعتمر: فحدثني سيار: أن بلعام ركب حمارة له حتى أتى العلولى- أو قال: طريقاً من العلولى- جعل يضربها ولا تقدم, وقامت عليه فقالت: علام تضربني؟ أما ترى هذا الذي بين يديك, فإذا الشيطان بين يديه, قال: فنزل وسجد له, قال الله تعالى: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها إلى قوله لعلهم يتفكرون.
قال: فحدثني بهذا سيار, ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره.
قال ابن عساكر: وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم, فانسلخ من دينه, له ذكر في القرآن, ثم أورد من قصته نحواً مما ذكرنا, وأورده عن وهب وغيره والله أعلم, وقال محمد بن اسحاق بن يسار عن سالم أبي النضر؛ أنه حدث: أن موسى, عليه السلام, لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام, أتى قوم بلعام إليه فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل, قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل, وإنا قومك, وليس لنا منزل, وأنت رجل مجاب الدعوة, فاخرج فادع الله عليهم, قال: ويلكم ! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون , كيف أذهب أدعوا عليهم, وأنا أعلم من الله ما أعلم؟! قالوا له: ما لنا من منزل! فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه, حتى فتنوه فافتتن, فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل, وهو جبل حسبان, فلما سار عليها غير كثير, ربضت به, فنزل عنها فضربها, حتى إذا أذلقها قامت فركبها, فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به, فضربها حتى إذا أذلقها أذن الله لها فكلمته حجة عليه, فقالت: ويحك يا بلعم: أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردنيعن عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم؟ فلم ينزع عنها يضربها, فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك, فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان, على عسكر موسى وبني إسرائيل, جعل يدعو عليهم, ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه, ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف الله لسانه إلى بني إسرائيل, فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع, إنما تدعو لهم, وتدعو علينا! قال: فهذا ما لا أملك, هذا شيء قد غلب الله عليه! قال: واندلع لسانه فوقع على صدره, فقال لهم : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة, ولم يبق إلا المكر والحيلة, فسأمكر لكم وأحتال, جملوا النساء وأعطوهن السلع, ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه, ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها, فإنهم إن زنا رجل منهم واحد كفيتموهم, ففعلوا, فلما دخل النساء العسكر, مرت امرأة من الكنعانيين اسمها "كسبى بنت صور, رأس أمته" برجل من عظماء بني إسرائيل, وهو "زمرى بن شلوم", رأس سبط بني سمعان بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم, عليهم السلام,فقام إليها, فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها, ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى, عليه السلام , فقال:إني أظنك ستقول هذا حرام عليك؟ قال: أجل, هي حرام عليك, لا تقربها, قال: فوالله لا نطيعك في هذا , ثم دخل بها قبته فوقع عليها, وأرسل الله, عز وجل, الطاعون في بني إسرائيل, وكان فنحاص بن ألعيزرا بن هارون, صاحب أمر موسى, وكان غائباً حين صنع زمرى بن شلوم ما صنع, فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل, فأخبر الخبر فأخذ حربته , وكانت من حديد كلها, ثم دخل القبة وهما متضاجعان, فانتظمهما بحربته, ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء, والحربة قد أخذها بذراعه, واعتمد بمرفقه على خاصرته, وأسند الحربة إلى لحييه-وكان بكر ألعيزار- وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك, ورفع الطاعون, فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمرى المرأة إلى أن قتله فنحاص, فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً-والمقلل لهم يقول-عشرون ألفاً في ساعة من النهار, فمن هنالك تُعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحي- لاعتماده بالحربة على خاصرته, وأخذه إياها بذراعه, وإسناده إياها إلى لحييه- والبكر من كل أموالهم وأنفسهم؛ لأنه كان بكر أبيه ألعيزار. ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله : "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان - (إلى قوله) : لعلهم يتفكرون.
وقوله تعالى : "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" اختلف المفسرون في معناه فأما على سياق ابن اسحاق, عن سالم ابن أبي النضر: أن بلعام اندلع لسانه على صدره-فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك, وقيل: معناه: فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه, وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء, كالكلب في لهثه في حالتيه إن حملت عليه وإن تركته, هو يلهث في الحالين, فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه؛ كما قال الله تعالى: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" وقوله تعالى: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" (التوبة:80).
والله أعلم
كمال
عبد الحميد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة