من الواضح أن علامات الساعة
الكبرى إذا ما وقعت فإنها تتتابع, وتنقضي على جناح السرعة, ولا يطول زمانها.
جاء عن أبي العالية أنه قال:
بين أول الآيات, وآخرها ستة أشهر يتتابعن كتتابع الخرزات في النظام.
وعن أبي هريرة ( في ثمانية
أشهر)
وجاء عن عبد الله بن عمرو
(الآيات خرزات منظومات في سلك فإذا انقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً ).
وقول أبي العالية يُحمل على ما
بعد طلوع الشمس من مغربها؛ لأن الدجَّال سيمكث حوالي 439 يوماً, وعيسى ابن مريم عليه
السلام يمكث سبع سنين, أو أربعين عاماً.
وأخرج عبد بن حميد في تفسيره
بسند جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: تبقى الناس بعد طلوع
الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة 120 سنة, ولعل كلام عبد الله بن عمرو رضي الله
عنهما يراد به, أنها تمر مراراً سريعاً كمقدار مرور عشرين ومائة شهر من قبل ذلك,
أو دون ذلك, كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه ( لا تقوم الساعة حتى تكون
السنة كالشهر, والتحقيق أنه بعد طلوع الشمس من مغربها تتوالى العلامات, والآيات
على جناح السرعة.
جاء في حديث ابن عباس عند ابن
مردويه, وفيه (...فقال أبي بن كعب: فكيف بالشمس, والناس بعد ذلك, قال: تكسى الشمس
الضوء, وتطلع كما كانت تطلع, وتقبل الناس على الدنيا فلو نتج رجل مهراً لم يركبه
حتى تقوم الساعة ).
وهذا يدل على أن العالم لا يبقى
بعد طلوع الشمس من مغربها أكثر من ثلاث سنوات.
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات:
1- خسف بالمشرق.
2- وخسف بالمغرب.
3- وخسف بجزيرة العرب.
4- والدخان
5- والدجَّال.
6- ودابة الأرض
7- ويأجوج, ومأجوج.
8-وطلوع الشمس من مغربها.
9- ونار تخرج من قعر عدن ترحل
الناس.
وفي رواية: 10- ونزول عيسى
).
رواه مسلم كتاب الفتن.
وعدم الترتيب لعله من الرواة.
(1)
العلامة الأولى: خسف بالمشرق.
(2)
العلامة الثانية: خسف بالمغرب.
(3)
العلامة الثالثة: خسف بجزيرة
العرب.
جاء من حديث حذيفة أيضاً كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة, ونحن أسفل منه, فاطلع إلينا فقال: : (
ما تذكرون؟) قلنا: الساعة, قال: (
إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة
العرب, والدخان, والدَّجال, ودابة الأرض, ويأجوج ومأجوج, وطلوع الشمس من مغربها,
ونار تخرج من قعر عَدَن تُرحِّل الناس ).
وقال بعض الرواة في العاشرة: ( ونزول عيسى ابن
مريم), وقال بعضهم: ( وريح يلقي الناس في البحر) أخرجه مسلم.
-
أمَّا الخسف بالمشرق:
فقد ذكر أبو الفرج أنه وقع
بعراق العجم زلازل, وخسوفات هائلة هلك
بسببها خلق كثير.
-
أمَّا الخسف بالمغرب:
فقد قال القرطبي: قد وقع ذلك
عندنا بشرق الأندلس فيما سمعنا من بعض مشايخنا بقرية يقال لها: ( قطر ظنارة) من
قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها.
-
وأمَّا بجزيرة العرب:
فقد ذكر ابن وهب أنَّ بعضها وقع
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والظاهر أن هذا الخسف الذي يحدث
في جزيرة العرب يكون في أيام المهدي المنتظر محمد بن عبد الله خليفة الله, وإليك
الأحاديث الواردة في هذا الخسف ثم نقف معها وقفة.
الحديث الأول: عن عائشة أم
المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: عَبَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه,
فقلنا: يا رسول الله, صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله, فقال: ( العَجَب أن
ناساً من أمتي يؤمَون البيت, لرجل من قريش قد لجأ بالبيت, حتى إذا كانوا بالبيداء,
خُسِف بهم), فقلنا: يا رسول الله إنَّ الطريق قد يجمع الناس قال: ( نعم
فيهم المُستبصر والمجبور وابن السبيل, يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى, يبعثون على نياتهم ).
[عَبث: أي تحرك جسمه الشريف أو
حرَّك أطرافه, يؤمون: أي يقصدون, البيداء: الصحراء]
الحديث الثاني: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ( يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض
خُسِف بهم ).
الحديث الثالث: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ( سيعوذ بهذا البيت قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عُدَّة يبعث
إليهم جيش, حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِف بهم ).
الحديث الرابع: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ( ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض
يُخسف بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم, ثمَّ يخسف بهم فلا يبقى إلا الشريد الذي يُخبر
عنهم ).
الحديث الخامس: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ( جيش من أمتي يجيئون من قِبل الشام يؤمُون البيت لرجل يمنعه
الله منهم ).
[يؤمون: أي يقصدون]
وإذا نظرنا إلى هذه الأحاديث
يتبين لنا ما يلي:
-
يُبايع المهدي محمد بن عبد الله بين الركن
والمقام, بعد أن يلجأ إلى الكعبة المشرفة, فينصره قوم من المسلمين ليست لهم منعة,
ولا عدد ولا عدة, وبينما المهدي يُبايع إذا بقوم من المسلمين قد علموا بالأمر
فيجيئون إلى المهدي, ومن معه ليقاتلوهم حتى إذا اقتربوا منهم خسف الله بهم الأرض-
أي انشقت, وابتلعتهم- ولا ينجو إلا الشريد, وهو رجل, أو رجلان يخبران الناس (
المهدي ومن معه من المسلمين) عن الخسف الذي أصاب الجيش وألم به.
جاءت ألفاظ الأحاديث تصف حالة
الخسف بالجيش كأنك تراه, فبينما الجيش يقصد المهدي على جناح السرعة إذا بكتيبة
المنتصف (قلب الجيش) قد خُسف بهم فاختفت عن آخرها, وغاصت في الأرض فلم يبق لها
أثر, ولا عين, فيطير صواب باقي الجيش, ويتملكه الرعب والخوف والذهول, وينادي بعضهم
بعضاً فتنادي كتيبة المقدمة كتيبة المؤخرة, فيأتيهم العذاب قبل الجواب, ويسبق
الخسف رد التناد, ويتجلجل الجميع في باطن الأرض, ولا ينجو من هذا الخسف إلا رجل,
أو رجلان يخبران المهدي, ومن معه بما حدث.
-
فإن قيل كيف اجتمع هذا الجيش- وهم مسلمون-
لمقاتلة المهدي خليفة الله محمد بن عبد الله بن الحسن ابن فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟
-
قلت: إنَّ الحديث أشار إلى أن هذا الجيش الخارج
للقتال من المستبصر العالم بحقيقة الأمر القاصد للقتال, وهذا مأزور, ومنه المجبور
المكره على القتال, وهذا ذنبه مغفور, ومنه ابن السبيل الذي يتصادف وجوده عند
القتال, وهذا معفو عنه, وكل سيبعث على نيته.
فهذا الخسف هو الخسف الذي يقع
بجزيرة العرب, ومما يرجح هذا الأمر: أن المهدي المنتظر سيظهر لا محالة قبل المسيح
الدجَّال, فإن قيل: كيف يقع هذا الخسف مع ما ورد في الأحاديث عن نفي الخسف عن هذه
الأمة الإسلامية؟
قلت: ما ورد في الأحاديث ليس
فيه نفي الخسف الخاص, وإنما فيه نفي الخسف العام, فقد ورد في الحديث الصحيح عند
مسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: (
سألت ربي ثلاثاً, فأعطاني اثنتين, ومنعني واحدة, سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة
عامة فأعطانيها, وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل
بأسهم بينهم, فمنعنيها ).
فهذا فيه نفي الخسف
العام بهم جميعاً, أمَّا خسف الأرض ببعض المسلمين, أو خسف بعض البلدان الإسلامية
فهذا وقع.
وممَّا يؤكد هذا ما ورد في الخسف
الحاصل للمجتمعين على الأغاني, والخمور, والفسق, والفجور قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ( يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف), وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( يكون في آخر هذه الأمة خسف, ومسخ, وقذف), قيل: يا رسول الله! أنهلك
وفينا الصالحون؟ قال: ( نعم, إذا ظهر الخبث)
وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( يكون في آخر الزمان الخسف, والقذف, والمسخ).
وعلى ما سبق بيانه يتبين:
أن أنواع الخسف الثلاثة, وقع منها.
خسفان: خسف بالمشرق, وخسف
بالمغرب.
ولم يقع الخسف الثالث: خسف
بجزيرة العرب, وإنما يقع هذا الخسف في عصر المهدي المنتظر, هذا وقد ذهب الإمام
القرطبي إلى أن الخسف بأنواعه الثلاثة قد وقع, وعليه فقد مضت ثلاثة علامات من
علامات الساعة الكبرى عند الإمام القرطبي.
ويستنتج من هذا أنَّ الخسوفات
الثلاثة تكون قبل ظهور المسيح الدجَّال.
وعليه فيكون ترتيب علامات
الساعة الكبرى على النحو التالي:
العلامة الأولى: خسف بالمشرق
العلامة الثانية: خسف بالمغرب.
العلامة الثالثة: خسف بجزيرة العرب.
العلامة الرابعة: ظهور الدجَّال.
العلامة الخامسة: نزول عيسى ابن مريم صلى
الله عليه وسلم.
العلامة السادسة: خروج يأجوج ومأجوج.
العلامة السابعة: طلوع الشمس من
مغربها.
العلامة الثامنة: خروج الدابة.
العلامة التاسعة: الدّخان.
العلامة العاشرة: خروج النار.
وقد وقع من هذه العلامات خسف
بالمشرق, وخسف بالمغرب, وقد وقعت الخسوفات الثلاثة في رأي القرطبي, ووقع الدخان
عند بعضهم كما سيأتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة