قهوتي و كتابي

استمر في المشي


  في طفولتي دائماً ما كان ينتابني حلم متكرر , كنت أحلم بأنني أبدأ يومي  و أنا أقف أمام كومة متشابكة من الأغصان , وكلما ضغطت على هذه الكومة أحدثت بها فجوة أعمق , و زادت الطاقة الكامنة بها , و القادرة على دفعي كرد فعل , و كلما أخذت في توسيع الفجوة و في تكديس الأغصان الجافة , زادت قدرتها على دفعي إلى مسافة أعلى حينما أستلقي عليها ليلاً .

فلقد رأيت في حلمي أنني أستلقي عليها ليلاً , لأرى إلى أي مدى ستطير بي أحلامي , حيث يعتمد ارتفاعي في الطيران على ما قضيت نهاري أصنعه في كومة الأغصان , فكلما كان الضغط أكثر , كلما زاد ارتفاعي .

و بعد أن فكرت في هذا الحلم بعد ذلك  بأيام  قررت أن أضاعف من السير , و قررت أن الحلم المتكرر كان هو الطريقة التي اختارها عقلي الباطن ليخبرني من خلالها – بشكل مهم – بشيء يتعلق بمدى الفرق الذي يحدثه المشي , شيء يتعلق بالأكسجين الذي يدخل لجسمي .


فالمشي سيكون عملاً أقوم به و أنا مستيقظ . كما انه سوف يدفع مزيداً من الأكسجين إلى رئتي , و سأصبح إلى حد كبير مثل مدرب كرة القدم العظيم "اموس الوتزوستاج" و الذي عاش إلى ان وصل مائة و ثلاثة أعوام , و عندما سئل كيف عاش إلى هذا العمر ( حيث كان متوسط العمر حينها 65 عاماً) أجاب " خلال الجزء الأكبر من حياتي عكفت على الجري و غيره من التدريبات القوية التي كانت تدفع قدراً هائلاً من الأكسجين إلى جسمي "

فما كان مني إلا أن زدت من المشي لأرى ما سيحدث لو أن رأتيّ أصبحتا فراشي . و بدأت بالفعل أصبح أكثر سعادة , استمتاعاً أكثر بحياتي , كما أصبحت أكثر تحفزاً .

و بينما كنت أمشي كنت أتساءل : ماذا لو ان الحياة تعيش حولنا كالهالة ؟ ماذا لو كانت الحياة سحابة من الطاقة تعيش من حولنا خارج أجسامنا تنتظر دائماً من يستنشقها و يدفعها مباشرة إلى الروح؟؟ ماذا لو انني عندما تنفست بعمق , استنشقت روحي ؟ و حصلت على طاقة تساعدني على الحركة , طاقة كسلاح مدمر يقضي على أحد مشاكلك الخارجة عن نطاق سيطرتك .
ماذا لو ان حل المشاكل الخارجية عندك كان بداخلك ؟

و يذكر "كديباك كوبرا" إحدى الحكم الهندية التي لا يعرف من قائلها , وذلك في سياق إشارته إلى قرب هلاك البشرية "إنك تعتقد أنك تحيا في هذا العالم في حين أن العالم هو الذي يعيش فيك "

و هناك العديد من الكتب العملية الآن يشير إلى المخ البشري على أنه "الكون ذوالثلاثة أرطال" , و عندما يتحرك الجسم , يتحرك معه المخ و بالتالي العالم الداخلي , و عندما تمشي فأنت بذلك تنظم عقلك سواء أردت , أم لم ترد .

و سرعان ما ستدرك أن هناك ارتباطاً بين العقل و الجسم , و حينما قال اليونانيون "إن سر الحياة السعيدة هو العقل السليم و في الجسم السليم " إنما توصلوا بهذا إلى حقيقة قوية و فعالة .

و أحاول دائماً أن أثني نفسي عن هذه الحقيقة مرات عديدة كل أسبوع , فأقول لنفسي "إنني مجهد للغاية و لا أقدر على التدريب , إن لدي إصابة , إنني لم أنل قسطاً كافياً من النوم , لا بد أن أستمع لصوت جسدي , و سوف أحرم أبنائي من الوقت المهم الذي يحتاجون فيه أن يكونوا معي لو انني بشكل أناني خرجت لجولة طويلة من المشي " .

و لكني دائماً أكون بحال أفضل إذا اخترت المشي , بل إن ذلك يحسن من علاقتي بأطفالي لان المشي يأخذني إلى روحي .

و لهذا لا أستطيع أن أستغني عن المشي , و لا يمكنني التظاهر بأنه لا علاقة له بالروح . لأنه هو الأسلوب الذي أصل به إلى الحقيقة , فمن خلاله أسحب العالم من حولي ليصبح تحت قدمي , و مع تحول العالم وانقلابه تتسرب الأكاذيب بعيداً عن العقل إلى حيث الفضاء , و عندما يصبح العقل كذلك , فهذا صحيح .

كما إنني أحتفظ في ذهني بإيقاع أغاني المشي مثل : فانس دوميتو , ريكي نيلسون , نين ييرز افتر , إنني أمشي . نعم حقا . إنني عائد لمنزلي .

و هناك شيء في المشي يجمع بين الاضرار , بين النشاط , و الاسترخاء , و هذا التناقض الظاهري هو نفسه الذي يخلق التفكيرالكلي للمخ كما يجمع بين العزلة و الاندماج في العالم فأنت وحدك و لكنك تمشي في وسط الناس .

و هذا الجمع بين الاضطراب يعمل على تنشيط الانسجام الضروري بين العقل الأيسر و الأيمن , بين الطفل و البالغ , بين الذات العليا و الحيوان , فهنا تظهر لك الحلول , و تصبح الحقيقة جمالاً .

كما يمكنك أنت أيضاً أن تمشي كيفما تشاء , و قد يكون مشيك رقصاً , أو سباحة , أو جرياً , أو لعب "راكيت" , أو ملاكمة , أو تدريبات أيروبيك , و لكنها كلها شيء واحد , فكلها طرق لتحريك الجسم هنا و هناك كاللعبة و مد الروح بالأكسجين في أثناء هذا .

ستيف تشاندلر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة