"أنا
جبان"
هكذا بدأ الكتاب
, لقد قرأت رواية بعد تخرجي من المدرسة الثانوية بفترة قصيرة ووجدت فيها هذه
العبارة في بدايتها فأذهلتني , و أتذكر أنني أخذت أحملق في هذه العبارة , و أنا
غير قادر على الاستمرار في القراءة , فقد كنت مذهولاً للغاية , فلم أقرأ كتاباً من
قبل يتعلق بي مثل هذا الكتاب .
حيث أنني كنت
أيضاً جباناً , و ما أذهلني هو أنني لم أعترف من قبل بجبني صراحة كما فعل مؤلف
"المشي مع الحب و الموت"
و كان المؤلف
"هانز كونيجسبير جر" , و الكتاب كان قصة حب من القرون الوسطى و التي
حولها "جون هوستن" بعد ذلك إلى فيلم سينمائي , و لكن لا يهمنا شيء من
هذا , المهم هو أنه هناك جبان آخر غيري في هذا الكوكب , و حتى لو كان خيالياً ,
فإن الكلمات كانت تنطبق علي إلى حد كبير .
و عندما قرأت هذا
الكتاب كانت صورتي الذاتية تقوم على مخاوفي دون أي شيء آخر , فقد رأيت نفسي جباناً
حقاً , و لو أن شخصاً أخبرني بأنني فعلت أمراً فيه شجاعة كنت أعتقد أنه مخطئ بشكل
أو بآخر , أو أنهم لا يدركون مدى سهولة هذا الأمر .
من أين جاءت هذه
الصورة الذاتية ؟ إنني لا ألوم والدي لأني أعتقد أنني الذي خلق صورتي لذاتي , و
إنه كان لدي اختيار في أن ألتزم بهذه الصورة , أو لا ألتزم بها , ( فعلى أية حال
كان بإمكاني فعل ما فعله "جوردن ليدي" عندما كنت صبياً , فقد كان
منزعجاً من خوفه من الفئران بما يجعله يمسك ببعضها و يطهيها و يأكلها , و كان
منزعجاً من خوفه من الرعد , و البرق حتى انه ربط نفسه بأعلى شجرة كبيرة , و ظل
هناك أثناء إحدى العواصف الرعدية الكبرى "ومثل هذه الأشياء لم أفعلها"
و بالرغم من أنني
لا ألوم والدي , فإنني أستطيع أن أرجع فكرة كوني جباناً إلى تشجيعهم .
لقد كانت أمي
أيضاً تخاف كل شيء , فقد عاشت إلى أن بلغت ستة و ستين عاماً دون أن تنعطف يساراً
ولو مرة, و ذلك لأنها كانت تخاف السيارات القادمة للغاية ,( و كانت دائماً تعرف
كيف تقوم بسلسلة من الانعطافات الواسعة جهة اليمين لتصل إلى حيث تريد ) و دائماُ
ما تعزيني قائلة إنني مثلها تماماً , و كنت أرى أنني مثلها في الجبن , و قد ساعد
هذا على ترسيخ صورتي الذاتية , و مع هذا فقد قالت لي أمي أنها ستحاول أن تساعدني
في فعل عدة أشياء كانت تعرف أنني لن أستطيع فعلها .
و قد رأيت أبي
عندما كان عمري عامين و نصفاً, و قد كان بطلاً عائداً من الحرب العالمية الثانية ,
و يقال أنه عندما دخل المنزل و رآني للمرة الأولى نظرت أنا إليه بلباسه الرسمي
المهيب و قلت : "من هذا ؟" فقالت لي أمي :"جون وين"
و كان أبي لا
يخاف شيئاً , فقد كان جندياً شجاعاً و نجماً رياضياً , و رجل أعمل ناجحاً , و
صارماً إلى غير ذلك من صفات ...و لكنه سرعان ما عرف عن ابنه الصغير أنه جبان , و
كان هذا محبطاً له.
و هكذا كنت أنا
ووالدي متفقين على أنني جبان , و كان أبي منزعجاً من هذا . . و أمي متفهمة بينما
أصبحت أنا مرعوباً.
و ربما كان هذا
هو السبب في لجوئي إلى الشجاعة الكاذبة عندما كبرت .
لقد اكتشفت - من
خلال استخدام مواد مسكرة – أنني من الممكن أن أكون من أريد , و لكن سرعان ما تحول
هذا الاكتشاف الرائع إلى إدمان , و أصبحت حياتي تتمحور حول اعتمادي عليه , و شعرت
وقتها بالمتعة , و الإثارة , و لكن كما يمكن أن يخبرك من عانى من الإدمان , لم يكن
هناك أي نمو , أو إشباع خلال سنين الإدمان , و سرعان ما أصبح الإدمان كابوساً لا
يحتمل .
و لحسن الحظ ,
فإنني شفيت منه , و حيث مر ما يزيد عن عشرين عاماً على لجوئي للشجاعة المعتمدة على
المواد الكيميائية , و خلال فترة الشفاء و التي غالباً ما تكون صعبة , تعلمت صلاة
كانت شائعة بين زملائي ممن يعالجون من الإدمان , و كانوا يسمونها "صلاة
السكينة" و ربما سمعت عنها , و دعاؤها يكون على النحو التالي : " إلهي .
. امنحني السكينة حتى أقبل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها , وامنحني الشجاعة كي
أغير الأشياء التي أستطيع تغييرها , وامنحني حكمة أفرق بها بين الأمرين"
و أعتقد أنها
سميت بصلاة السكينة لأن هذا ما كان يريده الجميع منها و هي السكينة , و إذا توقفت
فجأة عن إدمان مخدر ما قد تناولته لفترة طويلة , فإن هذا قد يأخذك بعيداً للغاية
عن السكينة , و بالرغم من تحسن المرء أكثر و أكثر مع مرور كل يوم , فإن تلك الصلاة
كانت شيئاً لا بد من الحفاظ عليه و التمسك به .
و لكن بعد شفائي
أحسست بأنه ما زال هناك شيء ناقص , أحسست بأنني بحاجة لما هو اكثر من السكينة ,
فتصوري العميق عن نفسي بأنني جبان لم يكن قد تلاشى بعد , و لهذا فقد حولت انتباهي
للبيت الثاني من الدعاء , "شجاعة تغيير ما أستطيع تغييره" , و لم أعد
أنظر إلى هذه الصلاة على أنها صلاة سكينة إنما أصبحت صلاة شجاعة .
فقد كانت الشجاعة
هي الشيء الذي ينقصني , و كان الشعور بجبني ما زال هو الصورة التي أتصورها في نفسي
, و أًصبحت هذه الصورة تشكل شخصيتي كلها.
و عندما أعطاني
صديقي "مايك كيلبيرو" كتاب نابليون هيل "المفتاح العمومي
للغنى" بدأت أحس بالإستجابة لدعاء الشجاعة , و لو لم تكن بداخلي شجاعة , لكنت
قد أوجدتها , و في تلك اللحظة كانت عملية التحفيز الذاتي قد بدأت جدياً.
و يمكنني أن أذكر
لك بعض مخاوفي , و لكن حتى أوضح لك كيف تتغلب عليها , فاستخدم مثالاً ذكرته من قبل
, و هو خوفي من الحديث أمام الجموع , من وقتها عرفت أن هذا النوع من الخوف ليس
قادراً علي وحدي , بل إنه يعتبر اليوم الأول من سلسلة مخاوف الناس , يزيد في ذلك
عن الخوف من الموت.
أما بالنسبة لي
فقد كان هذا الخوف تعبيراً مؤلماً عن الخوف العميق الشامل الذي كان يشكل شخصيتي
بأكملها , و قد ضحكت ذات مرة عندما قال "رودي الين" أنه ( كان يخاف
الظلام , و ضوء النهار ) فقد كنت أنا كذلك .
و حينما انضممت
إلى دورة في التمثيل حتى أستطيع التغلب على خوفي من الحديث أمام الناس عرفت أنني
الوحيد من بين المشتركين الذي لا يعمل بالتمثيل , و قد أصابني هذا بالرعب , و في
الجلسة الأولى التي كانت تديرها المدربة و الممثلة ذات الموهبة العظيمة "جودي
رولينجز" استمعت إلى كل مشترك في الدورة و هو يتحدث عن آخر المسرحيات التي
اشتركوا فيها .
و أعطت جودي كل
واحد منا حواراً طويلاً ليحفظه , ( و يلقيه في الجلسة القادمة ) , و كان حواري
لشخصية قاضي كان الناس يستهزؤون به و هو صغير , و لكنه أصبح قاضياً يحاكم أولئك
الذين اعتادوا الاستهزاء به , و هذا دور صعب أدخل الخوف إلى قلبي .
و علمت أن علي
القيام بما هو أصعب من الإلقاء , و هو الإعداد للإلقاء, و لذلك بدأت في الإعداد له
, فحفظت دوري و بدأت أؤديه أمام الناس , و طلبت من كل شخص أن يجلس , و يشاهدني
وأنا أؤدي الدور , فأديته أمام صديقتي الممثلة "جودي لي بو – و التي جعلتني
أشترك في الدورة – وسجلته أيضاً على شريط , و أرسلته إلى كاتب الأغاني و الممثل
الكوميدي فريد نايب , كما أديته أمام صديقتي كاثي " , و جعلت أبنائي يجلسون
في هدوء , و يشاهدونني أثناء أدائي للدور المرة تلو المرة , و مع كل مرة كنت أصاب
بالرعب , و يدق قلبي بقوة و كنت أشعر بصعوبة من التنفس, و لكن مع كل مرة , كنت
أؤدي الدور بشكل أفضل و أسهل من سابقتها .
و أخيراً جاء يوم
جلسة الأداء و أخذت ذلك اليوم إجازة من عملي لأقوم طوال اليوم بالتدريب على هذا
الدور الصغير الذي لا يزيد عن ثلاث دقائق , و عندما حان موعد الجلسة كنت متوتراً
للغاية , و لكنني لم أكن خائفاً في أعماقي , و كانت هذه اللحظة حاسمة و سعيدة في
حياتي .
وأخذت جودي
لورينجز تطلب من المشتركين أن يؤدوا أدوارهم , و مع قيام كل ممثل متمرس بأداء دوره
أكتسب أنا الثقة , فقد رأيت أنهم أيضاً متوترون , فقد كانوا يؤدون أمام أقران لهم
, و هو أحياناً ما يكون أصعب من الأداء أمام جمهور عادي , فكانوا يخطئون , و
يطلبون في حرج معاودة المحاولة , و كانت من بينهم أصوات مهتزة , هذا ما شجعني, و
في النهاية حيث لم يبقى إلا واحد , أو اثنان تطوعت أنا , و مشيت ببطء إلى مقدمة
الغرفة .
و حدث بعد ذلك
شيء لن أنساه أبداً , فبينما كنت أسير مقدمة الحجرة و قبل أن أستدير بوجهي نحو
الأستاذة, و بقية المشاركين سمعت صوتاً في ذهني
يقول لي "حان وقت العرض"
وانتابتني موجة
غريبة من الطاقة و أنا أؤدي الدور , و ارتفع صوتي عالياً ليناسب النقاط الدرامية
المثيرة , و أنخفض للتأكيد على الأبيات الرقيقة , كما ان الأجزاء التي أديتها بشكل
كوميدي حازت على كم كبير من الضحك من بقية المشاركين , و عندما انتهيت نظرت خلفي
لأجد المشاركين جميعاً و قد انفجروا في عاصفة من التصفيق , و هو الشيء الذي كانت
جودي قد أخبرتهم بان لا يفعلوه مع أي شخص
.
و بينما أقود
سيارتي عائداً في تلك الليلة شعرت بسعادة بالغة , و ظللت أؤدي الحوار بصوت عال ,
مستمتعاً بتذكر ما قوبلت به من ضحك , وتصفيق , كما أنني تغلبت إلى حد ما على أكثر
ما كان يخيفني في الحياة , و أخذت أكرر على نفسي المبدأ الذي جعلني أفعل هذا ,
كلما عرقت وقت السلم , وفرت دماً وقت الحرب .
و دائماً ما
أتذكر حالتي عندما قرأت لأول مرة "أنا جبان" في "المشي مع الحب و
الموت" , و أدرك ان لدي الآن شيء افتقدته في ذلك الوقت و هو "معرفة أن
الشجاعة شيء يمكن إيجاده".
و ما زال لدي
مخاوف , و لكني لم أعد خائفاً , و لم أعد أرى نفسي جباناً , و عندما يمتدحني شخص
لشيء فعلته , و يرى أنني كنت شجاعاً فيه , فإنني لا أرفض هذا واصفاً إياه بالجنون
و الغباء.
و هناك طريقة لتحفيز نفسك على التغلب على أي خوف
يعترضك الآن , و هي طريقة لم أخبر بها أحداً حتى الآن , لأن لها اسماً غريباً فقد
أسميتها "امش مع الحب و الموت"
فعندما أريد أن
أتغلب على شيء , أو أواجه شيئاً , أو أضع خطة عمل شجاعة , أقوم بجولات طويلة
ماشياً , فعندما أمشي لفترة طويلة و مسافة بعيدة بالقدر الكافي , غالباً ما يظهر
لي الحل , و أجدني في النهاية أتجه نحو خطة عمل على أعلى مستوى من الإبداع .
و قد كتب
"اندرو ويل" في كتاب "الشفاء التلقائي" "عندما تمشي ,
تأخذ حركة الأطراف شكل التقاطع , فتتحرك الرجل اليمنى , و الذراع اليسرى للأمام
معاً , و بعد ذلك تتحرك الذراع اليمنى , و الرجل اليسرى , و هذا النوع من الحركة
يؤدي إلى نشاط كهربائي في المخ , يؤدي إلى حدوث انسجام في الجهاز العصبي المركزي ,
و هذه فائدة خاصة تأخذها من المشي و ليس بالضرورة أن تحصل عليها من أنواع
التدريبات الأخرى ."
و أنا أسمي هذا
التدريب "المشي مع الحب" لأن الحب و الخوف متضادان , ( و معظم الناس
يظنون أن الحب و الكراهية متضادان , و لكنهما ليسا كذلك ) , وأعلى درجات الإبداع
تأتي من روح الحب , و كما يقول ايميت فوكس "الحب دائماً خلاق . . أما الخوف
فدائماً ما يكون هداماً "
و اسمي التدريب
"المشي مع الموت" لأن قبولي ووعيي بموتي هو الشيء الوحيد الذي يعطي
لحياتي الوضوح , الذي تحتاج إليه لتصبح حياة مثيرة و ممتعة .
و غالباً ما أمشي
لفترة طويلة , و أيا كان التحدي الذي أواجهه فإنه يبدو لي من زوايا مختلفة أثناء
السير , و أنا أعرف أنه من بين فوائد هذا التدريب أنه أثناء المشي اكون وحدي –
بمعنى الكلمة – حيث لا يوجد هواتف لأرد عليها , أو أناس أتحدث معهم , و قلما أكون
وحيداً في حياتي هكذا و لهذا يذهل المرء دائماً من حجم الاستفادة التي يستفيدها من
مثل هذا الوقت .
اصطحب تحدياتك
لتمشي معك في جولة خارج البيت , استشعر تحفيزك الذاتي و هو ينمو بداخلك في الوقت
الذي تبدأ فيه كهرباء مخك في خلق الانسجام بجهازك العصبي المركزي , و سرعان ما
ستدرك حقيقة أن لديك كل ما يتطلبه الأمر , و لن يكون هناك داع لأن تصلي من أجل أن
يكون لديك شجاعة تغير بها ما تستطيع تغييره , حيث سيكون لديك بالفعل هذه الشجاعة .
ستيف تشاندلر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة