قهوتي و كتابي

تعال لتنتقد نفسك



بعد أن ألقيت محاضرة في كندا أرسل لي مدير مبيعات إحدى كبريات المؤسسات هناك بشريط فيه أغنية كان يريد أن أسمعها.

وقال لي إن هذا الشريط يذكره بما علمه لفريقه عن تقدير الذات, وكانت الأغنية أداءً حياً لاثنين من مطربي التراث القديم "سوني تيري" و "براوني ماك جي" وكان اسم الأغنية (الحب, الحقيقة, الثقة) وهي تحكي عن غبائنا في مطاردة الحب ومحاولة اكتشاف الحقيقة الأساسية في ظل تجاهلنا لشيء أهم بكثير لسعادتنا وهو الثقة.

وتقول المجموعة في الأغنية (الحب والحقيقة /  يمكن أن تجدهما / في أي مكان / وفي أي وقت / ولكنك يمكنك أن تقول مع السلامة / فما دامت الثقة غير موجودة / فليس هناك ما يهم.)

ولم أدرك أبداً القوة الحقيقية للثقة بالنفس حتى عملت مع الدكتور "ناتانيال براندين" وزوجته "ديفرز", وكلاهما يعمل بالتأليف والعلاج النفسي بمعهد ( برادين لتقدير الذات ) وقد أمداني بآراء رائعة لم تكن لديّ من قبل عن طريقة تشغيلي ككائن بشري.

وكتاب الدكتور ( الأركان الستة لتقدير الذات ) كتاب نفسي ليس له مثيل في السوق , لأنه بالإضافة إلى فلسفته المكتوبة بشكل بليغ عن كيفية بناء القوة الداخلية فهو في نفس الوقت يحتوي على تدريبات تعمل على زيادة الوعي و تقدير الذات , وهي تدريبات عملية و سهلة و تؤدَّى على مدار العام.


فتدريبات إنهاء الجمل مثلاً فعالة ومثيرة للغاية حتى لو أنك قمت بها, فبإمكاني أن أقول لك دون أدنى مبالغة إنك ستحصل على علاج نمو ذاتي يعادل عشرات الآلاف من الدولارات , وذلك مقابل سعر كتاب واحد.

وقبل أن نفترض أن مفهوم تقدير الذات لدى "براندين" هو نفسه المفهوم الذي روج له ( معلمو العصر الحديث ) فعليك أولاً أن تقرأ كتابه وتستمع لشرائطه ومعظم الناس اليوم يعتقدون أن الآخرين يمكنهم أن يمنحونا تقدير الذات و مثل هذا التفكير الخاطئ يؤدي إلى ظواهر مثل ( فصول دون صفوف ) أو عمل دون تحديد معايير تفاصيل بين العاملين , وربما سمعت عن تلك المجموعة في دوري البيسبول في " بينسلفينا " والتي أرادت أن تلغي عملية تسجيل نتائج المباريات لما تسببه الخسارة من إضرار بتقدير الذات لدى الأطفال.

فعندما نخلط التدليل بعملية غرس التقدير الذاتي, فنحن بهذا نشجع على تربية أطفال صغار وحساسين ليس لديهم أي قوة داخلية, و مثل هؤلاء الأطفال المللين قليلي الإنجاز عندما يحين الوقت الذي يبحثون فيه عن النجاح في السوق العالمية التنافسية , فسوف يشعرون بالحيرة و الخوف و عدم الفاعلية.

فالمفاهيم التي يدعو لها "ناثانيل وديفرز" قاسية و غير عاطفية , وأفضل الأفكار بعضها يعود إلى السنوات التي عمل فيها "براندين" مع الكتاب القصصي العظيم الفيلسوف " أيان راند".

وقد علماني كيف أستكشف بشكل موضوعي الضعف في تفكيري و أن أتحدى الخداع الذاتي الذي كان يقوِّض فاعليتي في الحياة.

وقد كتب " براندين " قائلاً: ( إن جوهر تقدير الذات يكمن في ثقة المرء في عقله واقتناعه بأنه حقيقٌ بالسعادة, فقيمة تقدير الذات ليست فقط في أنها تجعلك تشعر أفضل و إنَّما في أنها تجعلنا نعيش أفضل بأن نستجيب للتحديات والفرص بشكل مناسب و قدرة على حل المشاكل ).

و الأفكار التي وردت في كتاب " برادين " وساعدتني كثيراً هي:
1) لا يمكنك أن تترك مكاناً لم تكن فيه.
2) ليس هناك ما هو آت.

لقد اعتقدت من قبل أن بإمكاني الهروب من الأفكار التي أحملها عن نفسي والتي تصيبني بالرعب, ولكن كل ما يفعله الهرب حقاً هو أن أخرج مخاوفي إلى النور وأبسطها حتى أفهمها وبمجرد أن فعلت هذا بشكل منهجي استطعت أن أبطل مفعول هذه المخاوف كما يبطل خبير المتفجرات مفعول قنبلة.

فقبول هذه المخاوف والوعي الكامل بها – و ما تقود إليه من سلوك التدمير الذاتي – كان ( المكان الذي لم أذهب إليه من قبل ) وبمجرد أن ذهبت إلى هذا المكان استطعت أن أغادره.

أما مفهوم (ليس هناك ما هو آت ) فقد كان مفزعاً بدرجة جعلتني لا أقبله ففكرة أنه ليس هناك من سيأتي لإنقاذي من البيئة المحيطة بي , فكرة ربما لا أقبلها , فقد كانت تبدو لي إلى حد كبير التنازل الأخير الذي يمكن أن أتنازله , فهي تناقض كل البرمجة الذاتية التي كانت في طفولتي , ( فالعديد منا حتى في سن البلوغ يخترعون أشكالاً متعددة دقيقة ومتقنة من فكرة ( أريد أمي ) و قد أوضح لي " براندين " وزوجته أن بإمكاني أن أكون أسعد وأكثر فعالية لو فضلت الإستقلال والمسؤولية الذاتية على الاعتماد على شخص آخر.

فعندما تقبل فكرة أنه ليس هناك من سيأتي لإنقاذنا ستكون هذه بحق لحظة حماس للغاية لان هذا يعني أنك تكفي وحدك و لا حاجة للآخرين أن يأتوا بل يمكنك أنت أن تعالج مشاكلك بنفسك, وبمعنى أعم فأنت جدير بالحياة, حيث يمكنك أن تنمو و تقوى و تخلق سعادتك بنفسك.

والغريب أنه من خلال وضع الاستقلالية يمكنك أن تبني علاقات ناجحة لانها لا تقوم على الإتكالية والخوف و إنما تقوم على الاستقلال المتبادل و الحب.

و في إحدى جلسات العلاج الجماعي عارض أحد الزبائن الدكتور "براندين" في مبدئه ( ليس هناك من سيأتي لإنقاذك ) وقال له ( فهذا المبدأ ليس صحيحاً فها أنت قد أتيت لنا ).

فأجابه "براندين": ( صحيح ولكنني أتيت لأقول لك انه لن ياتي أحد ).

ستيف تشاندلر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة