قهوتي و كتابي

استمر في التفكير ,استمر في التفكير

التحفيز ينبع من التفكير .



فأي عمل نقوم به تسبقه فكرة توحي بهذا العمل و عندما نتوقف عن التفكير نفقد الحافز للعمل , و ينتهي بنا الأمر إلى التشاؤم , و التشاؤم بدوره يقود إلى المزيد من قلة التفكير , و يستمر الأمر هكذا عبارة عن دائرة حلزونية تنازلية من السلبية واللاتفاعلية و التي تتغذى على نفسها كالسرطان .

و إنني أميل إلى استخدام المثال التالي في ندواتي لتوضيح مدى تأثير الاستمرار في التفكير , دعنا نفترض أن شخصاً متشائماً قرر أن ينظف كراجه صباح السبت ولذلك فهو يستيقظ ويخرج إلى الكراج و يفتح الباب ليصدم برؤية كم هائل من الفوضى بداخله فما يكون منه إلا أن يقول في اشمئزاز ( انس هذا فلا يمكن لأحد أن ينظف هذا الكراج في يوم واحد .)


و في هذه المرحلة يغلق المتشائم باب الكراج بشدة و يدخل المنزل ليفعل شيئاً آخر , فالمتشائم إما أن يفعل كل شيء أو لا يفعل شيء , فهذا أسلوبه في التفكير فهو إما أن يفعل الشيء بشكل متقن أو لا يفعله مطلقاً .


و الآن دعنا نرى كيف يواجه المتشائم نفس هذه المشكلة , فهو يستيقظ في نفس الصباح و يذهب إلى الكراج و يرى نفس الفوضى بل إنه ينطق بنفس الكلمات التي قالها المتشائم ( انس هذا , فلا يمكن لأحد أن ينظف هذا الكراج في يوم واحد . )


و لكن هنا يظهر الفارق الجوهري بين المتفائل و المتشائم , فالمتفائل يستمر في التفكير بدلاً من أن يعود إلى المنزل .

حيث يقول ( حسناً فليس بإمكاني أن أنظف الكراج كله , فماذا يمكنني أن أفعل بحيث يحدث فرقاً ؟ )

ثم يمكن النظر في الكراج إلى أربعة أقسام و ينظف قسماً واحداً اليوم .

و يقول ( سأقوم اليوم بالتأكيد بتنظيف هذا القسم اليوم وحتى إن قمت بتنظيف قسم كل يوم , فسوف يكون الكراج على أحسن شكل قبل أن ينتهي الشهر .)

و يمر الشهر لتجد كراج المتشائم قذراً بينما يكون كراج المتفائل نظيفاً .

و في إحدى ندواتي في "لاس فيجاس" كانت هناك سيدة أخبرتني بأن هذا المفهوم – عادة المتفائل في البحث عن حلول جزئية – و قد أحدث فرقاً رائعاً في حياتها .

حيث قالت لي : ( كنت أعود من عملي للمنزل و أنظر إلى مطبخي , ثم اشيح بيدي لاعنة إياه دون أن أفعل شيئاً مطلقاً , و كنت أفكر تماماً كما يفكر المتشائم في قصة الكراج التي حكيتها . و بعد ذلك قررت أن أتخير جزءاً صغيراً من المطبخ و أقوم بتنظيفه فقط , و قد يكون هذا الجزء طاولة معينة , أو مجرد حوض ماء و عند قيامي بتنظيف جزء صغير من المطبخ كل ليلة لم يحدث لي أي استياء من العمل , حيث أنه لم يعد كثيراً بحيث أعجز عن أدائه و هكذا أصبح مطبخي دائماً مقبول الشكل .

و يميل المتشائمون إلى إرجاء مشاكلهم , فهم يفكرون بشكل سلبي للغاية في ( فعل الشيء كله باتقان ) لينتهي بهم الأمر إلى عدم فعل شيء .

أما الشخص المتفائل فيفعل شيئاً صغيراً , فهو دائماً يفعل و دائماً يشعر بأن هناك تقدماً .

و حيث أن المتشائم عادةً ما يرى ( أنه لا أمل ) , أو  ( لا يمكننا فعل شيء ) لذلك تجده سرعان ما يقلع عن التفكير . و المتفائل قد يكون لديه نفس المشاعر السلبية الأولية تجاه مشروع ما , ولكنه يستمر في التفكير إلى أن تظهر له بعض الأشياء التي يمكن أن يفعلها , و هذا هو ما جعل "الان لوي مارك" في كتابه ( قوة التفاؤل ) يشير إلى المتفائل على أنه عنيد .

و فيما يتعلق باستخدام العقل البشري , فإن المتشائم يقلع عن هذا , وتشير الدراسلت الحديثة كما يقول "ماك" إلى أن المتفائل ( يتفوق في الدراسة و يكون ذا صحة جيدة و يكسب أكثر و ينشئ حياة زوجية طويلة و سعيدة و يبقى مرتبطاً بأبنائه و ربما يعيش أطول . )

و لكي تشاهد أحد البراهين العميقة على الفاعلية الملية للتفاؤل في التاريخ الأمريكي عليك أن تستأجر شريط الفيديو أولو 13 فبالرغم من أن عملية إعادة رجال الفضاء من أقصى القمر بدت ضخمة ومثبطة للهمم , فإن هذا العمل تم إنجازه بفعل مهمة صغيرة كل مرة , والأشخاص الذين كانوا في غرفة التحكم الأرضي في "هوستون" والذين أنقذوا حياة رجل الفضاء إنما فعلوا هذا لأنهم في مواجهة الأعطال التكنولوجية المستحيلة ظلوا يفكرون دون استسلام و كانوا يبحثون عن حلول جزئية و أعلنوا أنهم سوف يجمعون هذه الحلول الجزئية معاً بشكل تدريجي إلى أن يعود رجال الفضاء سالمين .

و فيما كانت حياة رجال الفضاء لا تزال في خطر , كان هناك متشائم واضح في غرفة التحكم الأرضية وعبّر هذا الرجل عن خوفه من أن أبولو 13 قد تكون أسوأ كارثة فضائية في تاريخ أمريكا , فاستدار قائد غرفة التحكم نحوه و قال بتفاؤل و غضب ( بل على العكس يا سيدي فأنا أرى أبولو 13 على أنها أعظم فترة في حياتنا و كشف الوقت صحة كلامه وهو ما يوضح فاعلية تفكير الحياة أو الموت عند المتفائل . )

و متى شعرت بالتشاؤم وغلبة المشاكل , فلتذكّر نفسك بالاستمرار في التفكير , فكلما فكرت في موقف ما , كلما ظهرت لك فرص تفاؤلية , فالشخص المتفائل يستمر في التفكير وتحفيز نفسه أمام المتشائم فيقلع عن التفكير و بالتالي يقلع عن الفعل .

و في الفيلم الغنائي "جنوب الهادي" تغني البطلة معتذرة لكونها متفائلة بشكل غير عملي و يعترف بأنها ( غير ناضجة وأن السذاجة داؤها الفعال و كان هذا شكلاً مبكراً من أشكال النكتة الصفراء) و تعترف في أغنية ترتفع في إيقاعها أنها ( انجذبت كالمغفلة نحو شيء يسمى الأمل و لا أستطيع أن أنزعه من قلبي . . ليس هذا القلب )

هكذا ينظر مجتمعنا إلى المتفائلين على أنهم مغفلين , فالمجتمع يرى أن التفكير التفاؤلي شيء يأتي من القلب و ليس من العقل .

و على الجانب الآخر ينظر المجتمع إلى المتشائم على أنه شخص واقعي, و في حقيقة الأمر , فإن المتشائم لن يخبرك أبداً بأنه متشائم , فهم يرون أنفسهم واقعيين , وعندما يصادفه شخصٌ اعتاد التفاؤل , فإنه يهزأ به لقيامه دائماً بتجربة كل شيء دون مواجهة الواقع الشرس.

فالمتشائم دائماً ما يستخدم خياله في تصور أسوأ السيناريوهات , ثم ينتهي إلى أن هذه السيناريوهات قضايا خاسرة لا سبيل لإصلاحها و لا يتخذ تجاهها أي تصرف وهذا هو ما يجعل التشاؤم يقود دوئماً إلى السلبية واللافعالية .

و لكن المتشائم حتى و هو يجلس على كرسيه منتفخاً من جراء الوجبات الدسمة , و متبلداً من جراء المشاهدة الزائدة للتلفزيون يعلم من خلال قلبه أن موقف (اللافائدة ) الذي يتبعه ليس فعالاً , فهو يعيش حياة وصفها "نيتزش" حين قال : ( كل شيء في هذا العالم يثير استيائي ولكن أكثر ما يثير استيائي هو استيائي من كل شيء. )

أما المتفائل فقد اختار أن يستخدم الخيال البشري استخداماً آخر , فهو يتفق مع وجهة نظر "كولين ويلسون" بأن ( الخيال ينبغي أن يستخدم لا للهرب من الواقع وإنما لخلقه . )

ستيف تشاندلر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة