قهوتي و كتابي

استفد من المشاكل

  
منذ عدة سنوات ذهبت ابنتي ذات مساء لتتجول مع صديقة لها , ووعدتني أن تعود قبل العاشرة مساءً ولم أهتم كثيراً بالساعة حتى انتهت أخبار العاشرة لأدرك بعدها أنها لم تعد بعد للمنزل مما أصابني بالقلق و التوتر وأخذت أزرع البيت جيئةً و ذهاباً أفكر فيما أفعل , و في الساعة الحادية عشرة و النصف ركبت سيارتي وبدأت أجوب الحي من الخوف و الغضب , و في الساعة الثانية عشرة إلا ربع عدت بالسيارة من أمام المنزل لأرى خيالها من النافذة , و أدركت أنها عادت آمنة .

و مع هذا فقد واصلت قيادة السيارة وأدركت حينها أن تفكيري كان تشاؤمياً بشأن الحادثة بأكملها , و أنني بحاجة لأن أستمر في التفكير قبل أن أتحدث معها , و بينما أنا أمضي بسيارتي أدركت ما كنت أتخبط فيه من تشاؤم ( إنها لا تحترمني , إنها لا تفي بالوعد , طلباتي و قواعدي لا تعني لها شيئاً , ستستمر مشاكلي معها على مدى الأعوام الأربعة القادمة على الأقل , من يعرف ماذا كانت تفعل ؟ هل كانت تتعاطى مخدرات ؟ هل هناك جريمة ؟ لقد أذهب هذا النوم عني و دمر سكينتي وحياتي . .إلخ )


و مع إدراكي حجم ما كانت عليه أفكاري من تشاؤم , فقد أعطيت نفسي فرصة لتنفيس كل هذه الأفكار قبل أن آخذ نفساً عميقاً و أقول لنفسي ( حسناً , هذا وجه من الموضوع و الآن حان الوقت لاستكشاف الوجه الآخر ) ومن الطرق التي أفضلها في عكس تفكيري إلى الجانب التفاؤلي أن أسأل نفسي ( كيف يمكنني الاستفادة من هذا ؟ )

كيف يمكنني أن أستفيد من هذه الحادثة في تحسين علاقتي مع ابنتي ؟ كيف يمكنني أن أجعل طلباتي وقواعدي ذات قيمة لنا معاً ؟ وبدأت أبحث عما يعضد جانب التفاؤل , وأدركت أن العلاقات الناجحة إنما تبنيها حوادث مثل هذه – وليست الحوارات النظرية – و إنما من خلال الخبرات الصعبة وما نتعلمه و نستفيده منها .

و لذلك قررت استمراري في القيادة فترة أطول حتى أدعها تنتظر داخل المنزل و كنت متأكداً أنه لا بد و أن أختها الآن قد أخبرتها بأنني أبحث عنها مما يعني أنها كانت تذرع البيت جيئةً وذهاباً و هي قلقة , و بينما أنا أقلب الأمور قلت لنفسي دعها تقلق قليلاً .

و ظللت أفكر في علاقتي السابقة مع "ستيفاني" , و كان أشد ما يميز هذه العلاقة هو الصدق فقد كانت "ستيفاني" في حياتها تتميز بنوع من الصفاء يغلب عليه الثقة والهدوء جعل من السهل عليها أن تكون صادقة مع مشاعرها و مع الآخرين , و عند حدوث أي سوء فهم مع غيرها من الأطفال , أو مع المدرسين أو الآباء الآخرين كنت أعتمد عليها في قول الصدق وكثيراً ما أنقذني صدقها في قولها عندما أسألها عما حدث.

و بينما أقود سيارتي في هذا الحي المظلم راجعت ذكرياتي السعيدة مع "ستيفاني" و هي صغيرة وكم  كنت  أحبها وأفتخر بها حين ذهابي لحفلاتها أو التحدث مع مدرسيها وتذكرت عندما كانت في المدرسة الإبتدائية وأحرجتها حينما سأل مدير مدرستها عما إذا كان سيدرس إعادة تسمية المدرسة على اسمها ( وقد فازت لتوها بجائزة أكاديمية و كاد الفخر أن يستولي علي )

و في النهاية تحول عقلي تماماً إلى الجانب التفاؤلي و كان السؤال ( كيف يمكنني الاستفادة من هذا ؟ ) هو الذي أعطاني فكرة أنه من الممكن جعل الحادثة أكبر حجماً مما هي عليه , بحيث أجعلها التزاماً جديداً لكلينا باحترام الإتفاقات و الثقة المتبادلة .

و عندما عدت للمنزل رأيت مدى خوفها , و حاولت أن تتحجج بأنها لم يكن معها ساعة , و أرادت أن تفهمني بأنها كانت إلى حد ما ضحية للحادث بأكمله , واستمعت إليها في ملل ثم قلت لها أن الأمر اكبر من هذا بكثير و تحدثت عن علاقتي بها و كيف أنني كنت أقدر صدقها خلال طفولتها , وقلت لها أعتقد بأنني قد فقدت كل هذا في تلك الليلة وأنه لا بد أن نجد طريقة لنبدأ من جديد .

و قلت لها أنني أريد أقصى قدر ممكن من السعادة و أن الطريق الوحيدة التي يمكنني من خلالها عن أساعدها على حدوث هذا هي المحافظة على الإتفاقات فيما بيننا و أخبرتها كم كنت خائفاً عليها , وكم كنت غاضباً و كم كان سهرها بعيداً عن المنزل سبباً في أن يجافيني النوم , و طلبت منها محاولة فهم هذا و تحدثت عن حياتنا معاً عندما كانت طفلة و كم كانت تتمتع بصدق غير عادي و ذكرت حوادث قليلة و قعت فيها مشاكل و كيف أنني كنت أذهب لها مباشرة بحثاً عن الحقيقة و دائماً ما كنت أحبها .

و تحدثنا لفترة طويلة تلك الليلة إلى أن أدركت في النهاية أن العودة إلى المنزل في الوقت الذي تَعِد بالعودة فيه – أو فعل ما تعد بفعله – هو أمر كبير فهو أهم شيء .

و منذ تلك الحادثة و ما صاحبها من حوار كانت "ستيفاني" حساسة للغاية لموضوع الوفاء بكلمتها , فإذا خرجت ووعدت بأن تعود في وقت ما كانت تأخذ معها ساعة أو تتأكد من أن من معها لديها ساعة ,و حادثة تلك الليلة كانت شيئاً لن ينساه أيٌّ منا و ذلك لأنها أوضحت لنا فكرة الثقة و الإحتفاظ بالوعد بل يمكنك القول بأنها كانت شيئاً جديداً .

و كم سمعنا عن حوادث و عند التفكير فيها بعد حدوثها نجد أنها كانت ضربات حظ كبيرة فهذه سيدة تنكسر قدمها و هي تتزلج و تلتقي بطبيب في المستشفى و تقع في حبه وتتزوجه و تستمر علاقتها معه سعيدة طوال الحياة , و حيث أن الكثيرين منا عاشوا مثل هذه الحوادث فإننا نعرف هذه الديناميكية فقد يبدو شيءٌ ( مثل كسر القدم ) و يصبح أمراً عظيماً على غير المتوقع . و نبدأ في إدراك حقيقة أن كل مشكلة تحمل بداخلها هدية .

و يمكنك الوصول إلى هذه الهدية بسرعة أكبر لو أنك قررت الاستفادة من الأحداث التي تبدو في ظاهرها سيئة فإذا سألت نفسك ( كيف يمكنني الاستفادة من هذا ؟ ) فيمكنك أن تحول حياتك مقابل لا شيء .

ستيف تشاندلر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سيتم مراجعة التعليقات قبل نشرها وحذف التعليقات غير اللائقة